مدينة أنواذيبوا بين سلطتيًن - حين يضيع المواطن بين الـوالي والـعمدة !!

في مدينة نواذيبو، العاصمة الاقتصادية لموريتانيا، لا يقتصر الصراع على الموانئ والثروات، بل يمتد إلى مكاتب الإدارة والبلدية، حيث يتواجه بهدوء رجلان يمثلان وجهين مختلفين للسلطة: العمدة القاسم ولد بلالي، المنتخب من الشعب، والوالي ماحى ولد حامد، المعيَّن من الدولة. خلاف لم يُعلن رسميًا، لكنه أصبح حديث الشارع في المدينة، وأثر بشكل مباشر على مستوى التنسيق في الملفات الخدمية التي تهم السكان.

منذ وصول الوالي الحالي إلى نواذيبو، بدأت تظهر مؤشرات على تباين في طريقة تسيير الشأن المحلي. مصادر داخل البلدية تحدثت عن أن الوالي "يتمنّع" عن المصادقة على بعض المبادرات البلدية، خصوصًا تلك ذات الطابع الاجتماعي، مثل المساعدات الإنسانية أو ترميم بعض المدارس والأسواق الشعبية، بحجة أن الإجراءات "لم تمر عبر القنوات الرسمية". لكن مقربين من الإدارة الجهوية يردّون بأن الوالي لا يفعل سوى تطبيق القانون، مؤكدين أن بعض التحركات البلدية تتجاوز صلاحياتها المحددة في النصوص. وبين هذا وذاك، يضيع الوقت والجهد، وتضيع معه مصالح المواطنين الذين ينتظرون فقط خدمةً تليق بعاصمة اقتصادية.

في شوارع نواذيبو وأسواقها، يمكن أن تسمع آراء متناقضة. يقول أحد الباعة في سوق الغيران، العمدة هو الوحيد اللذي نحس به، يتكلم معنا ويزور الأحياء" بينما يرد آخر "الوالي رجل منضبط، لا يحب الفوضى، ويريد الأمور ان تمشي وفق القانون". هذا الانقسام الشعبي يعكس حقيقة أكثر عمقا، سببها غياب التنسيق بين السلطة المنتخبة والسلطة المعيّنة، ما يخلق حالة من الشلل الإداري في كثير من الملفات الخدمية، خصوصًا تلك التي تتطلب تعاونًا مباشرا بين الطرفين.

نواذيبو، التي تضم أكبر ميناء للصيد في البلاد، ومناطق صناعية هامة، وسكانًا من خلفيات متنوعة، تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى انسجام إداري يترجم الثروة إلى رفاهٍ. لكن الخلاف بين الوالي والعمدة يبدو وكأنه يعكس أزمة أوسع في توازن السلطات المحلية والمركزية، وهي أزمة قديمة تتجدد كلما انتُخب عمدة قوي أو وصل والٍ صارم. فبين الحزم الإداري الذي يمثله الوالي، والمبادرات الشعبية التي يقودها العمدة، يبقى المواطن العادي هو الخاسر الأكبر، ينتظر أن تتوحّد الجهود لخدمته لا للتنافس على من يخدمه أكثر.

هذا الوضع المتأزم استدعى تدخلًا على أعلى مستوى، حيث تشير مصادر مطلعة إلى أن رئيس الجمهورية وجّه، في الآونة الأخيرة، رسالة خاصة إلى الوالي والعمدة معًا، دعاهم فيها إلى تجاوز الخلافات ووضع المصلحة العامة فوق أي اعتبارات شخصية أو مؤسسية. الرسالة، وفق نفس المصادر، كانت واضحة في مضمونها: “نواذيبو تحتاج الانسجام لا التنازع، والتنمية لا التنافس.

انطلاقًا من هذا الواقع، يطرح بعض الصحافة والنشطاء المحليين فكرة إجراء استطلاع رأي مفتوح حول أداء الطرفين، يقيس مدى رضا السكان عن مستوى الخدمات المقدمة من البلدية والولاية على حدّ سواء. استطلاعٌ إذا ما أُجري بمهنية وشفافية، فقد يكون خطوة أولى نحو كشف الحقيقة، بعيدًا عن الصراعات الشخصية والمزايدات السياسية.

ما يجري في نواذيبو ليس مجرد خلاف إداري، بل مرآة لتحديات الحكم المحلي في موريتانيا. مدينة تمتلك كل مقومات الازدهار، لكنها تعيش أحيانًا شللًا بسبب تضارب الصلاحيات وضعف التنسيق. وما لم تُبْنَ جسور الثقة بين الوالي والعمدة، ستظل المدينة تدور في حلقة مفرغة، يعلو فيها صوت الخلاف على صوت الخدمة، رغم نداء الرئيس الذي حاول إعادة البوصلة إلى الاتجاه الصحيح.

✍️بقلم: داهى محمد لكويري