
الغريب في المشهد السياسي والإداري الراهن أنّ تعيين هذا الشخص مرّ بكل سلاسة أمام أعين مدير ديوان الوزير الأوّل الشيخ ولد زيدان، الذي يعرف ملف الفساد عن قرب، فهو نفسه من تولى سابقاً إدارة المشتريات في مؤسسة “سونيمكس”، وكان أول من دقّ ناقوس الخطر بعد أن كشفت تقاريره عن اختفاء مئات الملايين من أموال المؤسسة. حينها تمّت إقالة المدير المتهم بالفساد، ليُعيَّن الشيخ ولد زيدان خليفة له، في خطوة اعتُبرت حينها تعزيزاً لنهج الشفافية.غير أنّ التعيين الأخير يعيد إنتاج المشهد وكأننا أمام مسرحية عبثية، حيث تتحول شعارات “محاربة الفساد” إلى مجرد لافتة تلميع تُرفع في الخطاب الرسمي، بينما الواقع يكذّبها بالتعيينات ذاتها. فكيف يُعقل أن يُعاد تدوير أسماء ارتبطت بملفات فساد موثقة، بدل إحالتها إلى المساءلة والتحقيق؟ ألا يُعتبر ذلك تحدياً سافراً للرأي العام واستهزاءً بآمال الإصلاح التي يرفعها النظام؟
إنّ هذه المفارقة تكشف بجلاء أنّ ما يجري ليس سوى عملية ممنهجة لنسف ما تبقى من مصداقية في خطاب محاربة الفساد. فالملفات موجودة، والأدلة منشورة، والتقارير الرسمية ورقابية سبق أن أحصت التجاوزات بالأرقام والتواريخ، غير أنّ سياسة “غضّ الطرف” مستمرة وكأنّ الجميع متواطئ ضد أي محاولة جادّة لإصلاح المؤسسات الحكومية.
هكذا تبدو الحرب على الفساد مجرّد عنوان دعائي، بينما الواقع الإداري يصادق كل يوم على تسويات مشبوهة وتعيينات مريبة، تتحدّى نزاهة القانون وتؤكد أنّ المنظومة ماضية في تكريس نفوذ المفسدين بدل محاربتهم.
Sultan Elban سلطان البان